استمرت الأربعاء في مدينة وهران، ثاني كبريات مدن الجزائر، أعمال الشغب بين قوات الأمن وأنصار غاضبين على هبوط فريقهم، الذي يعدّ واحدا من أعرق الأندية العربية والأفريقية، إلى الدرجة الثانية.
واستخدمت قوات مكافحة الشغب وفرض النظام قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا لليوم الرابع على التوالي، وفق ما أبلغ به صحفي جزائري CNN بالعربية.
وقال الصحفي مجيد بن حملات، إنّ الاشتباكات استمرت الأربعاء حتى ساعات الليل، "وزادت وتيرتها" مقارنة باليومين السابقين.
وأضاف أنّ المحتجين كرروا شعارات تنطوي على اتهامات صريحة "للسلطات المركزية بتنظيم هبوط" فريقهم إلى الدرجة الثانية، للمرة الأولى منذ عقود.
وقدّر عدد الجرحى بأكثر من مائة، ونسب لمسؤول في الشرطة المحلية قوله إنّ عدد الجرحى في صفوف قوات الأمن "كبير"، في حين ذكرت مصادر بأن العدد وصل إلى 40.
واعتقلت قوات الأمن عشرات المحتجين، لاسيما أولئك الذين أحرقوا ونهبوا محّلات تجارية وسيارات، إضافة إلى إلقاء القاذورات في أغلب شوارع المدينة الحيوية.
ويرى المتظاهرون أنّ السلطات الرياضية في البلاد "غضّت الطرف" عن تلاعبات قامت بها أندية أخرى أدّت في النهاية إلى هبوط فريقهم.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، ردّد مسؤولون صدى اقتراحات "باعتبار الموسم الرياضي أبيض"، أي اعتباره وكأنّه لم يكن، وبالتالي إلغاء جميع النتائج وإعادته من جديد.
ومن جهته، اعتبر وزير الاتصال الجزائري عبد الرشيد بوكرزازة أنّ "النهاية المثيرة للجدل للموسم الرياضي هي مبعث انشغال لدى السلطات العمومية."
"فريق الشعب" ضدّ النجم الساحلي
وفي تونس، وبعد نهاية الدوري بتتويج الأفريقي بطلا واكتفاء النجم، حامل اللقب بمركز الوصيف، مازالت التعليقات في الشارع بخصوص نهاية الموسم.
وأظهرت صور تلفزيون "حنبعل" التونسي الخاص أنصار النجم الساحلي وهم يحلمون لافتات أثناء مباراة فريقهم ضمن كأس تونس، يعتبرون فيها رمز النسر(علامة البطولة في تونس) الذي أحرزه الأفريقي "نسر العار."
وقال الصحفي الفرنسي جيرار دوبون، الذي يجري سلسلة تحقيقات حول لاعبين محليين يتأهبون للاحتراف في أوروبا، في تصريحات لـCNN بالعربية إنّ الظاهرة ليست جديدة على تونس، حيث كثيرا ما تمّ اتهام الترجي التونسي بكونه يتلقى محاباة السلطات الرياضية لعدة سنوات.
وأضاف: "لا يكاد يمرّ موسم رياضي في تونس من دون أن نشاهد مشاكل على علاقة بالجهويات (أي تفضيل جهة على أخرى)، ولكن كانت دوما لا تخرج عن إطارها الرياضي، على خلاف هذا الموسم."
وقال دوبون: "هذا الموسم، شاهدنا فيه أزمة النادي الصفاقسي الذي اتهم السلطات العليا بتنظيم مؤامرة ضدّ فريقه، ثمّ جاء دور النجم الساحلي الآن ليلقي بتبعات فشله على ما يعتبره هو أيضا مؤامرة."
وفي حالة الصفاقسي، لقيت تصريحات رئيسه، صلاح الدين الزحاف، استنكارا كبيرا "مجمعا عليه تقريبا" وفق دوبون، بسبب أنّ الوضع لم يكن كما صوّره.
أما بالنسبة إلى النجم الساحلي "فإنّ الأخطر ليس الاتهامات التي يسوقها النجم، حيث أنّها واهية بالنظر لجدارة البطل بلقبه، ولكن تبدو حسب رأيي ردا على ما شهده النجم من مقاومة كبيرة جدا من فريقين من الجهات الأفقر، وهي قفصة وقابس،" حسب دوبون.
وقالت تقارير إنّ الحافلة التي تقلّ لاعبي النجم الساحلي بعد مباراتهم أمام الملعب القابسي ضمن الأسبوع الأخير من الدوري، كانت هدفا لرمي الحجارة والشتائم على طول طريق عودتها من مختلف الأنحاء التي عبرتها.
وفي نفس الوقت، وفيما يعدّ أمرا نادرا، كانت الحافلة التي تقلّ لاعبي الأفريقي عند عودتهم من باجة، وهم أبطال، تلقى التحيات وهي في طريقها إلى العاصمة.
كما أنّ عدة "مسيرات فرح" شهدتها عدّة مناطق تونسية من شمالها إلى جنوبها، احتفالا بفوز "فريق الشعب"(حسبما يصرّ أنصار الأفريقي على تسمية فريقهم) للمرة الأولى منذ 12 عاما.
وعلى المنتديات الإلكترونية التونسية، كتب البعض أنّ ما حدث في ذلك اليوم الإفريقي في باجة والنجم في قابس "يبقى من الأحداث التي سيذكرها التاريخ على مدى أجيال، وهي أحداث لا علاقة لكرة القدم ولا للرياضة ولا حتى للفريقين بها."
وأضاف الكاتب: "فبينما خرج السكان في مختلف المدن والقرى التي مر بها الموكب الأول بالهتاف والزغاريد ورفع الأعلام، كان الموكب الثاني يشق بصعوبة رحلة محفوفة بالمخاطر، عرضة القذف بالحجارة والإعتداء على السيارات وتحت وابل الشتم والإستهزاء والتعيير، وفي كل مكان في عداء صريح بدون تحفظ أو أدنى اعتبار لكل ما أحيط به من حماية واحتياطات."
واعتبر البعض أنّ للأمر علاقة بما يحدث في محافظة قفصة من احتجاجات اجتماعية بسبب انعدام فرص العمل والحياة الكريمة "التي يستأثر بها الساحل التونسي،" حسب دوبون.
وفي حالة الجزائر، قال دوبون، إنّ "الأمر واضح، فهو احتجاج اجتماعي بحت، اتخذ صبغة رياضية.. فجهة وهران تصل فيها نسبة البطالة إلى 70 بالمائة."
وأضاف: "شهدت الجزائر في الآونة الأخيرة، كما تعرفون، احتجاجات للحصول على منازل، ولاسيما في جهة وهران، التي تعدّ من أكبر المناطق في الجزائر. وفي تقديري أنّ ردود الفعل العنيفة جدا من قبل أنصار المولودية، وتهشيم رموز الثروة، هو إعادة للأذهان بكون الأمر يتجاوز كرة القدم."
ويقول محللون إنّ لجوء الناس إلى الشغب في الملاعب أو بسبب مباريات كرة القدم، سواء في المغرب العربي أو حتى في الضفة الأخرى من المتوسط، مردّه حزمة العقوبات القاسية للتعاطي مع الإرهاب، والتي تتخذها السلطات في بعض الأحيان ذريعة لتسليط عقوبات قاسية جدا لقمع المحتجين.
ولذلك، حسب دوبون، فإنّ "كرة القدم هي الميدان الآمن للاحتجاج، لأنّه ما من أحد يمكن أن يتّهم مشجع فريق ما بالإرهاب أو ممارسة السياسة "